بسم الله الرحمن الرحيم
غزوة بدر الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..... أمابعد
أيها الكرام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك ، وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة ، دارت رحى معركة فاصلة ، بين الإسلام والكفر ، بين الإيمان والطغيان ، بين حزب الله ، وحزب الشيطان ، تلكم هي غزوة بدر الكبرى .
ففي بدر التقى الظلام بالنور ، والكفر بالإيمان ، والباطل بالحق ، التقت الجاهلية بالإسلام ، فجاء الحق ، وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا .
نعم لقد دارت في بدر رحى معركة طاحنة فاصلة ، بين فئتين غير متكافئتين ، فئة قليلة صابرة مؤمنة محتسبة ، تدعوا إلى الله وتنصر دينه ، وفئة كثيرة طاغية كافرة ، تناصر الشرك وتنافح عنه ، فانتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة بإذن الله ، فيوم بدر هو يوم الفرقان ، يوم انتصار الإيمان ، وهزيمة الطغيان ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ الأنفال 41 ].
لقد كانت غزوة بدر فرقاناً بين الحق الأصيل ، الذي قامت عليه السماوات والأرض ، الحق الذي يتمثل في تفرد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والسلطان ، وبين الباطل الزائف الذي كان يعم الأرض آنذاك ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)[url=#_ftn1][1][/url]
كانت فرقاناً بين التوحيد والشرك ، بين الظلام والنور ، بل كانت فرقاناً في التاريخ البشري بأكمله ، فالناس قبل بدر ليسوا هم الذين بعدها .
أخي الكريم :
إن غزوة بدر معركة لا تنسى ، فهي عقد يتلألأ في سجل المعارك الفاصلة ، بل هي وبدون مبالغة أعظم معركة في التاريخ البشري .
وقد امتن الله سبحانه وتعالى على المؤمنين بأن نصرهم في هذه الغزوة العظيمة ، على الرغم من ضعفهم ، وقلة عددهم وعتادهم وإمكاناتهم ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [ آل عمران 123 ]
أخي المسلم الكريم :
في ذلك اليوم ، وفي تلك الساعة ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً ، لاعتراض قافلة تجارية قادمة من الشام ، فيها أموال عظيمة لقريش ، يقودها أبو سفيان بن حرب ، فلما علم أبو سفيان بخطة المسلمين انحاز بالقافلة ولحق بساحل البحر ، واستنفر قريشاً للدفاع عن تجارتهم وأموالهم ، فخرجوا في ألف شخص مزهوين بقوتهم وعتادهم ، يعلنون التحدي والطغيان ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) [ الأنفال 47 ] فالتقى الجيشان صبيحة يوم السبت السابع عشر من شهر رمضان ، في منطقة بدر بين مكة والمدينة ( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ الأنفال 42 – 43 ]
وكان المسلمون لضعفهم وقلة عتادهم يودون الظفر بالقافلة ، ولا يتمنون لقاء الجيش المكي ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) [ الأنفال 7 ] وعندما بدأت المعركة ، وحمي وطيسها ، وأشتد أوارها ، واشتعلت نارها ، أيد الله سبحانه وتعالى أهل الحق بملائكة السماء ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) [ الأنفال 9 ] ، بل وقاتلت الملائكة مع المؤمنين ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) [ الأنفال 12 ] إنها ليست بطولات أرضية محضة ، بل هي مؤيدة من قبل الله جل وعلا ، تستمد قوتها من خلال دعائه ، والاستغاثة به ، واللجوء إليه ، والتوكل عليه ، فيمد أصحابها بتأييده ونصره ، قال تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد 7 ]
فكانت النتيجة هزيمة ساحقة وقعت على الشرك وأهله ، وأعوانه ومؤيديه ، وتمخضت عن هلاك عدد كبير من فراعنة قريش وصناديدها .
أيها الأخ العزيز :
لقد أثمرت هذه المعركة الفاصلة الحاسمة جملة من النتائج ، من أبرزها :
v دخول عدد كبير من الأعداء المتشككين في الإسلام .
v تهشيم كبرياء زعيمة الشرك ( قبيلة قريش ) وزوال نظرة الإعجاب التي يكنها العرب لها .
v بروز قوة المسلمين العسكرية بشكل كبير ، وشعورهم بالعزة والرفعة .
v ظهور الرعب في قلوب المنافقين واليهود المتمركزين في المدينة .
v بلوغ أخبار القوة الإسلامية إلى الدول المحيطة بالجزيرة العربية .
v الاستفادة المادية والمعنوية من الأسرى ( فداء مادي - تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة– دخول بعض الأسرى في الإسلام )
أخي المبارك :
اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا من المجاهدين في سبيله ، إن الشباب الصالح هم عماد الأمة ، وأملها المشرق ، ومستقبلها المأمول ، وقد كان أكثر حملة الإسلام الأوائل في صدر الإسلام من الشباب ، وقد أبلوا بلاءً حسناً في هذه الغزوة ، وغيرها من الغزوات ، وكان لهم ظهور مميز في غزوة بدر ، فهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه يقول ( إني لفي الصف يوم بدر ، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به ، قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه ، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله، قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء )[url=#_ftn2][2][/url]
وإليك موقف أخر ، يتضح فيه حرص الشباب على تقديم أرواحهم فداءً لدينهم ، وسعياً لنيل رضى ربهم ، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، قال : يقول عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض ، قال : نعم ، قال : بخ بخ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحملك على قولك بخ بخ ، قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها ، قال : فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، قال : فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل )[url=#_ftn3][3][/url]
وإليك صورة مؤثرة عن فتى غض الإهاب ، في ريعان الشباب ، لم يمنعه صغر سنه ، عن بذل روحه في سبيل مرضاة ربه ، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ( رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى ، فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني ، وأنا أحب الخروج ، لعل الله أن يرزقني الشهادة ، قال : فعُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره ، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة )[url=#_ftn4][4][/url]
أولئك أتباع النبي وحزبه ******* ولولا هم ما كان في الأرض مسلم
ولولا هم كانت ظلاماً بأهلها ******* ولكن هم فيها بدور وأنجم
وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
[url=#_ftnref1]
[1][/url]
رواه مسلم[url=#_ftnref2]
[2][/url]
رواه البخاري[url=#_ftnref3]
[3][/url]
رواه مسلم[url=#_ftnref4]
[4][/url]
الطبقات الكبرى لابن سعد